فصل: النَّوْعُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ إِعْرَابِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.النَّوْعُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ إِعْرَابِهِ:

أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ خَلَائِقُ.
مِنْهُمْ مَكِّيٌّ، وَكِتَابُهُ فِي الْمُشْكِلِ خَاصَّةً.
وَالْحَوْفِيُّ؛ وَهُوَ أَوْضَحُهَا.
وَأَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ؛ وَهُوَ أَشْهَرُهَا.
وَالسَّمِينُ؛ وَهُوَ أَجَلُّهَا، عَلَى مَا فِيهِ مِنْ حَشْوٍ وَتَطْوِيلٍ، وَلَخَّصَهُ السَّفَاقِسِيُّ فَحَرَّرَهُ.
وَتَفْسِيرُ أَبِي حَيَّانَ مَشْحُونٌ بِذَلِكَ.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا النَّوْعِ إِعْرَاب الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مَعْرِفَةُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْإِعْرَابَ يُمَيِّزُ الْمَعَانِيَ وَيُوقِفُ عَلَى أَغْرَاضِ الْمُتَكَلِّمِينَ.
أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ وَالْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ.
وَأَخْرَجَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَن: يَا أَبَا سَعِيدٍ، الرَّجُلُ يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ يَلْتَمِسُ بِهَا حُسْنَ الْمَنْطِقِ، وَيُقِيمُ بِهَا قِرَاءَتَهُ؟
قَالَ: حَسَنٌ يَا ابْنَ أَخِي فَتَعَلَّمْهَا، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْرَأُ الْآيَةَ فَيَعْيَا بِوَجْهِهَا، فَيَهْلِكُ فِيهَا.
وَعَلَى النَّاظِرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى- الْكَاشِفِ عَنْ أَسْرَارِهِ- النَّظَرُ فِي الْكَلِمَةِ وَصِيغَتِهَا وَمَحَلِّهَا، كَكَوْنِهَا مُبْتَدَأً أَوْ خَبَرًا أَوْ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا، أَوْ فِي مَبَادِئِ الْكَلَامِ أَوْ فِي جَوَابٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ أُمُورٍ عِنْدَ إِعْرَابِ الْقُرْآن:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَيْه: أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى مَا يُرِيدُ أَنْ يُعْرِبَهُ مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا قَبْلَ الْإِعْرَابِ، فَإِنَّهُ فَرْعُ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إِعْرَابُ فَوَاتِحِ السُّوَرِ إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ.
وَقَالُوا فِي تَوْجِيهِ نَصْبِ كَلَالَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النِّسَاء: 12]: إِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُرَادِ بِهَا.
فَإِنْ كَانَ اسْمًا لِلْمَيِّتِ فَهُوَ حَالٌ، (وَيُورَثُ) خَبَرُ كَانَ أَوْ صِفَةٌ، وَ(كَانَ) تَامَّةٌ، أَوْ نَاقِصَةٌ وَ(كَلَالَةً) خَبَرٌ.
أَوْ لِلْوَرَثَةِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ: ذَا كَلَالَةٍ؛ وَهُوَ- أَيْضًا- حَالٌ أَوْ خَبَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. أَوْ لِلْقَرَابَةِ فَهُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ.
وَقوله: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الْحِجْر: 87]: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَثَانِي الْقُرْآنَ فَـ: {مِنْ} لِلتَّبْعِيضِ، أَوِ الْفَاتِحَةَ: فَلِبَيَانِ الْجِنْسِ.
وَقَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آلِ عِمْرَانَ: 28]. فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الِاتِّقَاءِ فَهِيَ مَصْدَرٌ، أَوْ بِمَعْنَى مُتَّقًى- أَيْ: أَمْرًا يَجِبُ اتِّقَاؤُهُ- فَمَفْعُولٌ بِهِ، أَوْ جَمْعًا- كَرُمَاةٍ- فَحَالٌ.
وَقوله: {غُثَاءً أَحَوَى} [الْأَعْلَى: 5]: إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَفَافِ وَالْيُبْسِ فَهُوَ صِفَةٌ لِغُثَاءٍ، أَوْ مِنْ شِدَّةِ الْخُضْرَةِ فَحَالٌ مِنَ الْمَرْعَى.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ زَلَّتْ أَقْدَامُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُعْرِبِينَ رَاعَوْا فِي الْإِعْرَابِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مُوجِبِ الْمَعْنَى.
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هُودٍ: 87]، فَإِنَّهُ يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ عَطْفُ أَنْ نَفْعَلَ عَلَى أَنْ نَتْرُكَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ مَا يَشَاءُونَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَطْفٌ عَلَى (مَا) فَهُوَ مَعْمُولٌ لِلتَّرْكِ، وَالْمَعْنَى أَنْ نَتْرُكَ أَنْ نَفْعَلَ، وَمُوجِبُ الْوَهْمِ الْمَذْكُور: أَنَّ الْمُعْرِبَ يَرَى أَنْ وَالْفِعْلَ مَرَّتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ.
الثَّانِي: أَنْ يُرَاعِيَ مَا تَقْتَضِيهِ الصِّنَاعَةُ، فَرُبَّمَا رَاعَى الْمُعْرِبُ وَجْهًا صَحِيحًا، وَلَا يَنْظُرُ فِي صِحَّتِهِ فِي الصِّنَاعَةِ فَيُخْطِئُ.
مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} [النَّجْم: 51]: إِنَّ ثَمُودَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ لِـ: (مَا) النَّافِيَةِ الصَّدْرُ، فَلَا يَعْمَلُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا، بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى (عَادًا) أَوْ عَلَى تَقْدِير: (وَأَهْلَكَ ثَمُودَ).
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ فِي: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هُودٍ: 43]، {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يُوسُفَ: 92]: إِنَّ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقٌ بَاسِمِ (لَا) وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ (لَا) حِينَئِذٍ مُطَوَّلٌ، فَيَجِبُ نَصْبُهُ وَتَنْوِينُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ.
وَقَوْلُ الْحَوْفِيّ: إِنَّ الْبَاءَ مِنْ قَوْلِه: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النَّمْل: 35] مُتَعَلِّقَةٌ بـ: (نَاظِرَةٌ)، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَهُ الصَّدْرُ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ.
وَكَذَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} [الْأَحْزَاب: 61]: إِنَّهُ حَالٌ مِنْ مَعْمُولِ ثُقِفُوا أَوْ أُخِذُوا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَهُ الصَّدْرُ، بَلْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الذَّمِّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُلِمًّا بِالْعَرَبِيَّةِ، لِئَلَّا يُخَرِّجَ عَلَى مَا لَمْ يَثْبُتْ كَقَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} [الْأَنْفَال: 5]: إِنَّ الْكَافَ قَسَمٌ، حَكَاهُ مَكِّيٌّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، فَشَنَّعَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ عَلَيْهِ فِي سُكُوتِهِ. وَيُبْطِلُهُ: أَنَّ الْكَافَ لَمْ تَجِئْ بِمَعْنَى وَاوِ الْقَسَمِ، وَإِطْلَاقَ (مَا) الْمَوْصُولَةِ عَلَى اللَّهِ وَرَبْطَ الْمَوْصُولِ بِالظَّاهِرِ- وَهُوَ فَاعِلُ أَخْرَجَكَ- وَبَابُ ذَلِكَ الشِّعْرُ.
وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِي الْآيَة: إِنَّهَا مَعَ مَجْرُورِهَا خَبَرٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ: هَذِهِ الْحَالُ مِنْ تَنْفِيلِكَ الْغُزَاةَ- عَلَى مَا رَأَيْتَ فِي كَرَاهَتِهِمْ لَهَا- كَحَالِ إِخْرَاجِكَ لِلْحَرْبِ فِي كَرَاهِيَتِهِمْ لَهَا.
وَكَقَوْلِ ابْنِ مِهْرَانَ فِي قِرَاءَة: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَتْ} بِتَشْدِيدِ التَّاء: إِنَّهُ مِنْ زِيَادَةِ التَّاءِ فِي أَوَّلِ الْمَاضِي، وَلَا حَقِيقَةَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَإِنَّمَا أَصْلُ الْقِرَاءَةِ (إِنَّ الْبَقَرَةَ تَشَابَهَتْ) بِتَاءِ الْوَحْدَةِ، ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِي تَاءِ (تَشَابَهَتْ) فَهُوَ إِدْغَامٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَتَجَنَّبَ الْأُمُورَ الْبَعِيدَةَ، وَالْأَوْجُهَ الضَّعِيفَةَ، وَاللُّغَاتِ الشَّاذَّةَ. وَيُخَرِّجُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْقَوِيِّ وَالْفَصِيحِ؛ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ إِلَّا الْوَجْهُ الْبَعِيدُ فَلَهُ عُذْرٌ، وَإِنْ ذَكَرَ الْجَمِيعَ لِقَصْدِ الْإِغْرَابِ وَالتَّكْثِيرِ فَصَعْبٌ شَدِيدٌ، أَوْ لِبَيَانِ الْمُحْتَمَلِ وَتَدْرِيبِ الطَّالِبِ فَحَسَنٌ فِي غَيْرِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ، أَمَّا التَّنْزِيلُ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَرَّجَ إِلَّا عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إِرَادَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ شَيْءٌ فَلْيَذْكُرِ الْأَوْجُهَ الْمُحْتَمَلَةَ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ.
وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي {وَقِيلِهِ} [الزُّخْرُف: 88] بِالْجَرِّ أَوِ النَّصْب: إِنَّهُ عُطِفَ عَلَى لَفْظِ السَّاعَةِ أَوْ مَحَلِّهَا، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّبَاعُدِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَسَمٌ أَوْ مَصْدَرُ (قَالَ) مُقَدَّرٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ} [فُصِّلَّتْ: 41]: إِنَّ خَبَرَهُ: {أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 44] وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ مَحْذُوفٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1]: إِنَّ جَوَابَهُ {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ} [ص: 64]. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: مَا الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا، أَوْ: إِنَّهُ لَمُعْجِزٌ أَوْ: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
وَمَنْ قَالَ فِي {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ} [الْبَقَرَة: 158]: إِنَّ الْوَقْفَ عَلَى جُنَاحٍ وَعَلَيْهِ إِغْرَاءٌ؛ لِأَنَّ إِغْرَاءَ الْغَائِبِ ضَعِيفٌ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي {عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} [الْأَنْعَام: 151]، فَإِنَّهُ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ إِغْرَاءَ الْمُخَاطَبِ فَصِيحٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الْأَحْزَاب: 33]: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ؛ لِضَعْفِهِ بَعْدَ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ مُنَادَى.
وَمَنْ قَالَ فِي: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الْأَنْعَام: 154]. بِالرَّفْعِ إِنَّ أَصْلَهُ أَحْسَنُوا، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ اجْتِزَاءً عَنْهَا بِالضَّمَّةِ؛ لِأَنَّ بَابَ ذَلِكَ الشِّعْرُ، وَالصَّوَابُ تَقْدِيرُ مُبْتَدَإٍ؛ أَيْ: هُوَ أَحْسَنُ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 120] بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، إِنَّهُ مِنْ بَاب:
إِنَّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرَعِ **

لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشِّعْرِ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهَا ضَمَّةُ إِتْبَاعٍ، وَهُوَ مَجْزُومٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَأَرْجُلَكُمْ} [الْمَائِدَة: 6]: إِنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى الْجِوَارِ؛ لِأَنَّ الْجَرَّ عَلَى الْجِوَارِ فِي نَفْسِهِ ضَعِيفٌ شَاذٌّ، لَمْ يَرِدْ مِنْهُ إِلَّا أَحْرُفٌ يَسِيرَةٌ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بِرُءُوسِكُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَسْحُ الْخُفِّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَدْ يَكُونُ الْمَوْضِعُ لَا يَتَخَرَّجُ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ، فَلَا حَرَجَ عَلَى مُخْرِجِهِ، كَقِرَاءَةِ {نجِّي الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 88] قِيلَ: الْفِعْلُ مَاضٍ، وَيُضَعِّفُهُ إِسْكَانُ آخِرِهِ، وَإِنَابَةُ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ عَنِ الْفَاعِلِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ بِهِ.
وَقِيلَ: مُضَارِعٌ، أَصْلُهُ (نُنْجِي) بِسُكُونِ ثَانِيهٍ، وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ النُّونَ لَا تُدْغَمُ فِي الْجِيمِ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ (نُنَجِّي) بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ، فَحُذِفَتِ النُّونُ، وَيُضَعِّفُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي التَّاءِ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مِنَ الْأَوْجُهِ الظَّاهِرَةِ، فَتَقُولُ فِي نَحْو: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الْأَعْلَى: 1]: يَجُوزُ كَوْنُ الْأَعْلَى صِفَةً لِلرَّبِّ وَصِفَةً لِلِاسْمِ. وَفِي نَحْو: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ} [الْبَقَرَة: 2- 3] يَجُوزُ كَوْنُ (الَّذِينَ) تَابِعًا، وَمَقْطُوعًا إِلَى النَّصْبِ بِإِضْمَارِ (أَعْنِي) أَوْ (أَمْدَحُ) وَإِلَى الرَّفْعِ بِإِضْمَارِ (هُمْ).
السَّادِسُ: أَنْ يُرَاعِيَ الشُّرُوطَ الْمُخْتَلِفَةَ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ، وَمَتَى لَمْ يَتَأَمَّلْهَا اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَابُ وَالشَّرَائِطُ.
وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} [النَّاس: 2- 3]: إِنَّهُمَا عَطْفُ بَيَانٍ؛ وَالصَّوَابُ: أَنَّهُمَا نَعْتَانِ، لِاشْتِرَاطِ الِاشْتِقَاقِ فِي النَّعْتِ وَالْجُمُودِ فِي عَطْفِ الْبَيَانِ.
وَفِي قَوْلِهِ فِي: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص: 64] بِنَصْبِ تَخَاصُم: إِنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ إِنَّمَا يُنْعَتُ بِذِي اللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ، وَالصَّوَابُ كَوْنُهُ بَدَلًا.
وَفِي قَوْلِهِ فِي: {فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} [يس: 66]، وَفِي: {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا} [طه: 21]: إِنَّ الْمَنْصُوبَ فِيهِمَا ظَرْفٌ؛ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَكَانِ شَرْطُهُ الْإِبْهَامُ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ عَلَى إِسْقَاطِ الْجَارِّ تَوَسُّعًا، وَهُوَ فِيهِمَا (إِلَى).
وَفِي قَوْلِه: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [الْمَائِدَة: 117]: إِنَّ (أَنْ) مَصْدَرِيَّةٌ، وَهِيَ وَصِلَتُهَا عَطْفُ بَيَانٍ عَلَى الْهَاءِ، لِامْتِنَاعِ عَطْفِ الْبَيَانِ عَلَى الضَّمِيرِ كَنَعْتِهِ.
وَهَذَا الْأَمْرُ السَّادِسُ عَدَّهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي، وَيَحْتَمِلُ دُخُولُهُ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي.
السَّابِعُ: أَنْ يُرَاعِيَ فِي كُلِّ تَرْكِيبٍ مَا يُشَاكِلُهُ، فَرُبَّمَا خَرَّجَ كَلَامًا عَلَى شَيْءٍ، وَيَشْهَدُ اسْتِعْمَالٌ آخَرُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِخِلَافِهِ.
وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي: {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الْأَنْعَام: 95] إِنَّهُ عُطِفَ عَلَى {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الْأَنْعَام: 95]، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَعْطُوفًا عَلَى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الْأَنْعَام: 95]؛ لِأَنَّ عَطْفَ الِاسْمِ عَلَى الِاسْمِ أَوْلَى، وَلَكِنَّ مَجِيءَ قوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيَخْرُجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الرُّوم: 19]. بِالْفِعْلِ فِيهِمَا، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الْبَقَرَة: 2] إِنَّ الْوَقْفَ عَلَى (رَيْبَ) وَ(فِيهِ) خَبَرُ (هُدًى)، وَيَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ السَّجْدَة: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السَّجْدَة: 2].
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشُّورَى: 43]: إِنَّ الرَّابِطَ الْإِشَارَةُ، وَإِنَّ الصَّابِرَ وَالْغَافِرَ جُعِلَا مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ مُبَالَغَةً؛ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلصَّبْرِ وَالْغُفْرَانِ، بِدَلِيل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آلِ عِمْرَانَ: 186]، وَلَمْ يَقُلْ: (إِنَّكُمْ).
وَمَنْ قَالَ فِي نَحْو: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} [الْأَنْعَام: 132]: إِنَّ الْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَالصَّوَابُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَجِئْ فِي التَّنْزِيلِ مُجَرَّدًا مِنَ الْبَاءِ إِلَّا وَهُوَ مَنْصُوبٌ.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزُّخْرُف: 87]: إِنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ مُبْتَدَأٌ؛ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِدَلِيل: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزُّخْرُف: 9].
تَنْبِيهٌ: وَكَذَا إِذَا جَاءَتْ قِرَاءَةٌ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ تُسَاعِدُ أَحَدَ الْإِعْرَابَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرَجَّحَ، كَقَوْلِه: {وَلَكِنَّ الْبَرَّ مَنْ آمَنَ} [الْبَقَرَة: 177]، قِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ.
وَقِيلَ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ: أَنَّهُ قُرِئَ (وَلَكِنَّ الْبَارَّ).
تَنْبِيهٌ: وَقَدْ يُوجَدُ مَا يُرَجِّحُ كُلًّا مِنَ الْمُحْتَمَلَاتِ، فَيُنْظَرُ فِي أَوْلَاهَا، نَحْوَ: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} [طه: 58] فَـ: (مَوْعِدًا) مُحْتَمِلٌ لِلْمَصْدَرِ، وَيَشْهَدُ لَهُ: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ} [طه: 58] وَلِلزَّمَانِ، وَيَشْهَدُ لَهُ: قَالَ: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ} [طه: 59] وَلِلْمَكَانِ، وَيَشْهَدُ لَهُ: {مَكَانًا سُوًى} [طه: 58]. وَإِذَا أَعْرَبَ (مَكَانًا) بَدَلًا مِنْهُ لَا ظَرْفًا لِـ: (نُخْلِفُهُ) تَعَيَّنَ ذَلِكَ.
الثَّامِنُ: أَنْ يُرَاعَى الرَّسْمُ. وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {سَلْسَبِيلَا} [الْإِنْسَان: 18]: إِنَّهَا جُمْلَةٌ أَمْرِيَّةٌ، أَيْ: سَلْ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكُتِبَتْ مَفْصُولَةً.
وَمَنْ قَالَ فِي: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63]: (إِنَّهَا) إِنَّ وَاسْمُهَا، أَيْ: إِنَّ الْقِصَّةَ، وَذَانِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَسَاحِرَانِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ- وَهُوَ بَاطِلٌ بِرَسْمِ إِنَّ مُنْفَصِلَةً، وَ(هَذَا نَصَبًا) مُتَّصِلَةً.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النِّسَاء: 18]: إِنَّ اللَّامَ لِلِابْتِدَاءِ، وَالَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُهُ. وَهُوَ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ الرَّسْمَ (وَلَا).
وَمَنْ قَالَ فِي: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} [مَرْيَمَ: 69]: إِنَّ (هُمْ أَشَدُّ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَأَيُّ مَقْطُوعَةٌ عَنِ الْإِضَافَةِ. وَهُوَ بَاطِلٌ بِرَسْمِ (أَيُّهُمْ) مُتَّصِلَةً.
وَمَنْ قَالَ فِي: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 3]: إِنَّ (هُمْ) ضَمِيرُ رَفْعٍ مُؤَكِّدٌ لِلْوَاوِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِرَسْمِ الْوَاوِ فِيهِمَا بِلَا أَلِفٍ بَعْدَهَا، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ مَفْعُولٌ.
التَّاسِعُ: أَنْ يَتَأَمَّلَ عِنْدَ وُرُودِ الْمُشْتَبِهَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَنْ قَالَ فِي: {أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الْكَهْف: 12] إِنَّهُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَالْمَنْصُوبُ تَمْيِيزٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْأَمَدَ لَيْسَ مُحْصِيًا، بَلْ مُحْصًى، وَشَرْطُ التَّمْيِيزِ الْمَنْصُوبِ بَعْدَ (أَفْعَلَ) كَوْنُهُ فَاعِلًا فِي الْمَعْنَى، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ فِعْلٌ، (وَأَمَدًا) مَفْعُولٌ، مِثْلَ {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الْجِنّ: 28].
الْعَاشِرُ: أَلَّا يُخَرِّجَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، أَوْ خِلَافِ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ مُقْتَضٍ، وَمِنْ ثَمَّ خُطِّئَ مَكِّيٌّ فِي قَوْلِهِ فِي: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي} [الْبَقَرَة: 264] إِنَّ الْكَافَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ، أَيْ: إِبْطَالًا كَإِبْطَالِ الَّذِي. وَالْوَجْهُ كَوْنُهُ حَالًا مِنَ الْوَاوِ، أَيْ: لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ مُشْبِهِينَ الَّذِي، فَهَذَا لَا حَذْفَ فِيهِ.
الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ، نَحْوَ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [الْبَقَرَة: 237]، فَإِنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْوَاوَ فِي يَعْفُونَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ، فَيُشْكِلُ إِثْبَاتُ النُّونِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ هِيَ فِيهِ لَامُ الْكَلِمَةِ، فَهِيَ أَصْلِيَّةٌ وَالنُّونُ ضَمِيرُ النِّسْوَةِ، وَالْفِعْلُ مَعَهَا مَبْنِيٌّ، وَوَزْنُهُ: (يَفْعُلْنَ) بِخِلَاف: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ} [الْبَقَرَة: 237] فَالْوَاوُ فِيهِ ضَمِيرُ الْجَمْعِ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَصْلِ الْكَلِمَةِ.
الثَّانِي عَشَرَ: أَنْ يَجْتَنِبَ إِطْلَاقَ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ الزَّائِدَ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَكِتَابُ اللَّهِ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَلِذَا فَرَّ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّعْبِيرِ بَدَلَهُ بِالتَّأْكِيدِ، وَالصِّلَةِ، وَالْمُقْحَمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّاب: اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إِطْلَاقِ لَفْظِ الزَّائِدِ فِي الْقُرْآن:
فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ، نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْقَوْمِ وَمُتَعَارَفِهِمْ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِإِزَاءِ الْحَذْفِ، هَذَا لِلِاخْتِصَارِ وَالتَّخْفِيفِ، وَهَذَا لِلتَّوْكِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ جَاءَتْ لِفَوَائِدَ وَمَعَانٍ تَخُصُّهَا، فَلَا أَقْضِي عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ.
قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالزِّيَادَةِ إِثْبَاتُ مَعْنًى لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَبَاطِلٌ، لِأَنَّهُ عَبَثٌ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ إِلَيْنَا بِهِ حَاجَةً، لَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْأَشْيَاءِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، فَلَيْسَتِ الْحَاجَةُ إِلَى اللَّفْظِ الَّذِي عَدَّهُ هَؤُلَاءِ زِيَادَةً كَالْحَاجَةِ إِلَى اللَّفْظِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَأَقُولُ: بَلِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ، بِالنَّظَرِ إِلَى مُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ كَانَ الْكَلَامُ دُونَهُ- مَعَ إِفَادَتِهِ أَصْلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ- أَبْتَرَ خَالِيًا عَنِ الرَّوْنَقِ الْبَلِيغِيِّ، لَا شُبْهَةَ فِي ذَلِكَ. وَمِثْلُ هَذَا يُسْتَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْإِسْنَادِ الْبَيَانِيِّ الَّذِي خَالَطَ كَلَامَ الْفُصَحَاءِ، وَعَرَفَ مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالِهَا وَذَاقَ حَلَاوَةَ أَلْفَاظِهِمْ، وَأَمَّا النَّحْوِيُّ الْجَافِي فَعَنْ ذَلِكَ بِمُنْقَطَعِ الثَّرَى.
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ:
قَدْ يَتَجَاذَبُ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْكَلَامِ أَنَّ الْمَعْنَى يَدْعُو إِلَى أَمْرٍ وَالْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَالْمُتَمَسَّكُ بِهِ صِحَّةُ الْمَعْنَى، وَيُئَوَّلُ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى الْإِعْرَابُ. وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطَّارِق: 8- 9]، فَالظَّرْفُ الَّذِي هُوَ يَوْمٌ يَقْتَضِي الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ (رَجْعٌ) أَيْ: أَنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَقَادِرٌ. لَكِنَّ الْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ، لِعَدَمِ جَوَازِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ فَيُجْعَلُ الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلًا مُقَدَّرًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ.
وَكَذَا: {أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ} [غَافِرٍ: 10]، فَالْمَعْنَى يَقْتَضِي تَعَلُّقَ (إِنَّ) بِالْمَقْتِ. وَالْإِعْرَابُ يَمْنَعُهُ، لِلْفَصْلِ الْمَذْكُورِ، فَيُقَدَّرُ لَهُ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: قَدْ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ: هَذَا تَفْسِيرُ مَعْنًى، وَهَذَا تَفْسِيرُ إِعْرَابٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ تَفْسِيرَ الْإِعْرَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُلَاحَظَةِ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ، وَتَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَضُرُّهُ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ لَحْنِ الْقُرْآنِ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [النِّسَاء: 162]. وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [الْمَائِدَة: 69]. فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، هَذَا عَمَلُ الْكُتَّابِ، أَخْطَئُوا فِي الْكِتَابِ. هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُوسَى، أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا كُتِبَتِ الْمَصَاحِفُ عُرِضَتْ عَلَى عُثْمَانَ فَوَجَدَ فِيهَا حُرُوفًا مِنَ اللَّحْنِ، فَقَالَ: لَا تُغَيِّرُوهَا؛ فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتُغَيِّرُهَا- أَوْ قَالَ: سَتُعْرِبُهَا- بِأَلْسِنَتِهَا، لَوْ كَانَ الْكَاتِبُ مِنْ ثَقِيفٍ وَالْمُمْلِي مِنْ هُذَيْلٍ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ. أَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ وَابْنُ أُشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ.
ثُمَّ أَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ نَحْوَهُ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، وَابْنِ أُشْتَةَ نَحْوَهُ، مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ.
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} وَيَقُولُ: هُوَ لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ.
وَهَذِهِ الْآثَارُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا، وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ.
أَوَّلًا: أَنَّهُمْ يَلْحَنُونَ فِي الْكَلَامِ فَضْلًا عَنِ الْقُرْآنِ وَهُمُ الْفُصَحَاءُ اللُّدُّ، ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ..
ثَانِيًا: فِي الْقُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أُنْزِلَ وَحَفِظُوهُ وَضَبَطُوهُ وَأَتْقَنُوهُ؟ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ.
ثَالِثًا: اجْتِمَاعُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى الْخَطَإِ وَكِتَابَتِهِ؟ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ.
رَابِعًا: عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ عَنْهُ؟ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِعُثْمَانَ أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ تَغْيِيرِهِ؟ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ اسْتَمَرَّتْ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْخَطَإِ؟ وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالتَّوَاتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ؟ هَذَا مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً.
وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ؛ فَإِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ. وَلِأَنَّ عُثْمَانَ جُعِلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يَقْتَدُونَ بِهِ، فَكَيْفَ يَرَى فِيهِ لَحْنًا وَيَتْرُكُهُ لِتُقِيمَهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا؟ فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ تَوَلَّوْا جَمْعَهُ وَكِتَابَتَهُ لَمْ يُقِيمُوا ذَلِكَ وَهُمُ الْخِيَارُ، فَكَيْفَ يُقِيمُهُ غَيْرُهُمْ! وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ مُصْحَفًا وَاحِدًا، بَلْ كَتَبَ عِدَّةَ مَصَاحِفَ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّحْنَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهَا، فَبَعِيدٌ اتِّفَاقُهَا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ اعْتِرَافٌ بِصِحَّةِ الْبَعْضِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ اللَّحْنَ كَانَ فِي مُصْحَفٍ دُونَ مُصْحَفٍ، وَلَمْ تَأْتِ الْمَصَاحِفُ قَطُّ مُخْتَلِفَةً إِلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَحْنٍ.
الثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ، إِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّمْزِ وَالْإِشَارَةِ وَمَوَاضِعِ الْحَذْفِ، نَحْوَ: (الْكِتَابِ)، (وَالصَّابِرِينَ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مُئَوَّلٌ عَلَى أَشْيَاءَ خَالَفَ لَفْظُهَا رَسْمَهَا، كَمَا كَتَبُوا {وَلَا أَوْضَعُوا} وَ{لَا أَذْبَحَنَّهُ} [النَّمْل: 21] بِأَلِفٍ بَعْدَ لَا. وَ{جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الْمَائِدَة: 29] بِوَاوٍ وَأَلِفٍ. وَ{بِأَيْدٍ} [الذَّارِيَات: 47] بِيَاءَيْنِ، فَلَوْ قُرِئَ بِظَاهِرِ الْخَطِّ لَكَانَ لَحْنًا، وَبِهَذَا الْجَوَابِ وَمَا قَبْلَهُ جَزَمَ ابْنُ أُشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ: لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ، وَمَا يَشْهَدُ عَقْلٌ بِأَنَّ عُثْمَانَ وَهُوَ إِمَامُ الْأُمَّةِ الَّذِي هُوَ إِمَامُ النَّاسِ فِي وَقْتِهِ، وَقُدْوَتُهُمْ يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ الْإِمَامُ فَيَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلَلًا، وَيُشَاهِدُ فِي خَطِّهِ زَلَلًا فَلَا يُصْلِحُهُ، كَلَّا وَاللَّهِ مَا يَتَوَهَّمُ عَلَيْهِ هَذَا ذُو إِنْصَافٍ وَتَمْيِيزٍ، وَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ أَخَّرَ الْخَطَأَ فِي الْكِتَابِ لِيُصْلِحَهُ مَنْ بَعْدَهُ. وَسَبِيلُ الْجَائِينَ مِنْ بَعْدِهِ الْبِنَاءُ عَلَى رَسْمِهِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُكْمِهِ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ بِقَوْلِه: (أَرَى فِيهِ لَحْنًا) أَرَى فِي خَطِّهِ لَحْنًا، إِذَا أَقَمْنَاهُ بِأَلْسِنَتِنَا كَانَ لَحْنُ الْخَطِّ غَيْرَ مُفْسِدٍ وَلَا مُحَرِّفٍ مِنْ جِهَةِ تَحْرِيفِ الْأَلْفَاظِ وَإِفْسَادِ الْإِعْرَابِ، فَقَدْ أَبْطَلَ وَلَمْ يُصِبْ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ مُنْبِئٌ عَنِ النُّطْقِ، فَمَنْ لَحَنَ فِي كَتْبِهِ فَهُوَ لَاحِنٌ فِي نُطْقِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عُثْمَانُ لِيُؤَخِّرَ فَسَادًا فِي هِجَاءِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ مِنْ جِهَةِ كَتْبٍ وَلَا نُطْقٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ مُوَاصِلًا لِدَرْسِ الْقُرْآنِ، مُتْقِنًا لِأَلْفَاظِهِ، مُوَافِقًا عَلَى مَا رُسِمَ فِي الْمَصَاحِفِ الْمُنْفَذَةِ إِلَى الْأَمْصَارِ وَالنَّوَاحِي.
ثُمَّ أَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَارَكٍ، حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ- شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- عَنْ هَانِئٍ الْبَرْبَرِيِّ- مَوْلَى عُثْمَانَ- قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ وَهُمْ يَعْرِضُونَ الْمَصَاحِفَ فَأَرْسَلَنِي بِكَتِفِ شَاةٍ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِيهَا: {لَمْ يَتَسَنَّ} [الْبَقَرَة: 259] وَفِيهَا {لَا تَبْدِيلَ لِلْخَلْقِ} [الرُّوم: 30]، وَفِيهَا {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} [الطَّارِق: 17] قَالَ: فَدَعَا بِالدَّوَاةِ- فَمَحَا أَحَدَ اللَّامَيْنِ، فَكَتَبَ لِخَلْقِ اللَّهِ وَمَحَى {فَأَمْهِلْ}، وَكَتَبَ {فَمَهِّلْ} وَكَتَبَ {لَمْ يَتَسَنَّهْ} أَلْحَقَ فِيهَا الْهَاءَ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ: فَكَيْفَ يُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَأَى فَسَادًا فَأَمْضَاهُ، وَهُوَ يُوقَفُ عَلَى مَا كُتِبَ وَيُرْفَعُ الْخِلَافُ إِلَيْهِ الْوَاقِعُ مِنَ النَّاسِخِينَ، لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ وَيُلْزِمَهُمْ إِثْبَاتُ الصَّوَابِ وَتَخْلِيدُهُ. انْتَهَى.
قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أُشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ أَنْبَأَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ، عَنْ سَوَّارِ بْنِ شَبِيبٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمَصَاحِفِ، فَقَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ النَّاسَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ، فَكَانَ عُمَرُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ، فَطُعِنَ طَعْنَتَهُ الَّتِي مَاتَ بِهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَذَكَرَ لَهُ فَجَمَعَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ ثُمَّ بَعَثَنِي إِلَى عَائِشَةَ فَجِئْتُ بِالصُّحُفِ، فَعَرَضْنَاهَا عَلَيْهَا حَتَّى قَوَّمْنَاهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِسَائِرِهَا فَشُقِّقَتْ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ ضَبَطُوهَا وَأَتْقَنُوهَا، وَلَمْ يَتْرُكُوا فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى إِصْلَاحٍ وَلَا تَقْوِيمٍ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: لَمَّا فُرِغَ مِنَ الْمُصْحَفِ أُتِيَ بِهِ عُثْمَانَ، فَنَظَرَ فِيهِ، فَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، أَرَى شَيْئًا سَنُقِيمُهُ بِأَلْسِنَتِنَا.
فَهَذَا الْأَثَرُ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَبِهِ يَتَّضِحُ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ، فَكَأَنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ كِتَابَتِهِ، فَرَأَى فِيهِ شَيْئًا كُتِبَ عَلَى غَيْرِ لِسَانِ قُرَيْشٍ، كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي (التَّابُوةُ) وَ(التَّابُوتُ) فَوَعَدَ بِأَنَّهُ سَيُقِيمُهُ عَلَى لِسَانِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ وَفَى بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَرْضِ وَالتَّقْوِيمِ، وَلَمْ يَتْرُكْ فِيهِ شَيْئًا. وَلَعَلَّ مَنْ رَوَى تِلْكَ الْآثَارَ السَّابِقَةَ عَنْهُ حَرَّفَهَا، وَلَمْ يُتْقِنِ اللَّفْظَ الَّذِي صَدَرَ عَنْ عُثْمَانَ، فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ مِنَ الْإِشْكَالِ؛ فَهَذَا أَقْوَى مَا يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَبَعْدُ؛ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ لَا يَصْلُحُ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ:
أَمَّا الْجَوَابُ بِالتَّضْعِيفِ فَلِأَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى.
وَأَمَّا الْجَوَابُ بِالرَّمْزِ وَمَا بَعْدَهُ، فَلِأَنَّ سُؤَالَ عُرْوَةَ عَنِ الْأَحْرُفِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُطَابِقُهُ، فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ أُشْتَةَ، وَتَبِعَهُ ابْنُ جُبَارَةَ فِي شَرْحِ الرَّائِيَةِ، بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا (أَخْطَئُوا) أَيْ: فِي اخْتِيَارِ الْأَوْلَى مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ. لَا أَنَّ الَّذِي كَتَبُوا مِنْ ذَلِكَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ.
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَالَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ وُقُوعِهِ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ، فَيَعْنِي: بِاللَّحْنِ الْقِرَاءَةَ وَاللُّغَةَ، يَعْنِي أَنَّهَا لُغَةُ الَّذِي كَتَبَهَا وَقِرَاءَتُهُ، وَفِيهَا قِرَاءَةٌ أُخْرَى.
ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63]، {إِنْ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ} سَوَاءٌ، لَعَلَّهُمْ كَتَبُوا الْأَلِفَ مَكَانَ الْيَاءِ، وَالْوَاوَ فِي قَوْلِهِ (وَالصَّابِئُونَ) مَكَانَ الْيَاءِ، قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ إِبْدَالِ حَرْفٍ فِي الْكِتَابِ بِحَرْفٍ، مِثْلَ الصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ وَالْحَيَوةِ.
وَأَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فِيهَا وَالْكِتَابَةُ بِخِلَافِهَا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى مُقْتَضَى الرَّسْمِ فَلَا، وَقَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَوَجَّهُوهَا عَلَى أَحْسَنِ تَوْجِيهٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} فَفِيهِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ جَارٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجْرِي الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ فِي أَحْوَالِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ لِكِنَانَةَ، وَقِيلَ: لِبَنِي الْحَارِثِ.
الثَّانِي: أَنَّ اسْمَ (إِنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفًا، وَالْجُمْلَةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، خَبَرُ إِنَّ.
الثَّالِثُ: كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ (سَاحِرَانِ) خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: لَهُمَا سَاحِرَانِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ (إِنْ) هُنَا بِمَعْنَى: نَعَمْ.
الْخَامِسُ: أَنَّ (هَا) ضَمِيرُ الْقِصَّةِ اسْمُ إِنَّ، وَ(ذَانِ لَسَاحِرَانِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَتَقَدَّمَ رَدُّ هَذَا الْوَجْهِ بِانْفِصَالِ (إِنْ) وَاتِّصَالِهَا فِي الرَّسْمِ.
قُلْتُ: وَظَهَرَ لِي وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْأَلِفِ لِمُنَاسَبَةِ (سَاحِرَانِ) يُرِيدَانِ كَمَا نُوِّنَ (سَلَاسِلًا) لِمُنَاسَبَةِ {وَأَغْلَالًا} [الْإِنْسَان: 4] وَ{مِنْ سَبَإٍ} لِمُنَاسَبَةِ {بِنَبَإٍ} [النَّمْل: 22].
وَأَمَّا قوله: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} [النِّسَاء: 162] فَفِيهِ أَيْضًا أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَقْطُوعٌ إِلَى الْمَدْحِ بِتَقْدِير: (أَمْدَحُ)، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلُ إِلَيْكَ} أَيْ: وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ. وَقِيلَ: الْمَلَائِكَةُ، وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: يُؤْمِنُونَ بِدِينِ الْمُقِيمِينَ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: بِإِجَابَةِ الْمُقِيمِينَ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى (قَبْلِ) أَيْ: وَمِنْ قَبْلِ الْمُقِيمِينَ، فَحُذِفَتْ (قَبْلُ) وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِ فِي (قَبْلِكُمْ).
الْخَامِسُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِ فِي (إِلَيْكَ).
السَّادِسُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي مِنْهُمَا.
حَكَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ أَبُو الْبَقَاءِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالصَّابِئُونَ} [الْمَائِدَة: 69]. فَفِيهِ أَيْضًا أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ، أَيْ: وَالصَّابِئُونَ كَذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ (إِنَّ) مَعَ اسْمِهَا، فَإِنَّ مَحَلَّهُمَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْفَاعِلِ فِي هَادُوا.
الرَّابِعُ: أَنَّ (إِنَّ) بِمَعْنَى نَعَمْ فَـ: {الَّذِينَ آمَنُوا} وَمَا بَعْدَهُ، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَالصَّابِئُونَ عُطِفَ عَلَيْهِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ عَلَى إِجْرَاءِ صِيغَةِ الْجَمْعِ مَجْرَى الْمُفْرَدِ، وَالنُّونُ حَرْفُ الْإِعْرَابِ. حَكَى هَذِهِ الْأَوْجُهَ أَبُو الْبَقَاءِ.
تَذْنِيبٌ:
يَقْرُبُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ أُشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ، مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي خَلَفٍ مَوْلَى بَنِي جُمَحٍ: أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكِ عَنْ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا؟
قَالَتْ: أَيَّةُ آيَةٍ؟
قَالَ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [الْمُؤْمِنُونَ: 60] أَوْ {وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا}.
فَقَالَتْ: أَيَّتُهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قُلْتُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا.
قَالَتْ: أَيُّهُمَا؟
قُلْتُ: {وَالَّذِينَ يَأْتُونَ مَا أَتَوْا}.
فَقَالَتْ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا، وَكَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ.
وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِه: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِه: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} [النُّور: 27] قَالَ: إِنَّمَا هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ {حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا} أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ (هُوَ)- فِيمَا أَحْسَبُ- مِمَّا أَخْطَأَتْ بِهِ الْكُتَّابُ.
وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَرَأَ {أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}، فَقِيلَ: لَهُ: إِنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} [الرَّعْد: 31] فَقَالَ أَظُنُّ الْكَاتِبَ كَتَبَهَا وَهُوَ نَاعِسٌ.
وَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الْإِسْرَاء: 23]: إِنَّمَا هِيَ {وَوَصَّى رَبُّكَ} الْتَزَقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أُشْتَةَ، بِلَفْظ: (اسْتَمَدَّ مِدَادًا كَثِيرًا فَالْتَزَقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ) وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ؟ قَالَ: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الْإِسْرَاء: 23] قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ نَقْرَؤُهَا نَحْنُ، وَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا هِيَ {وَوَصَّى رَبُّكَ} وَكَذَلِكَ كَانَتْ تُقْرَأُ وَتُكْتَبُ، فَاسْتَمَدَّ كَاتِبُكُمْ، فَاحْتَمَلَ الْقَلَمُ مِدَادًا كَثِيرًا، فَالْتَصَقَتِ الْوَاوُ بِالصَّادِ؛ ثُمَّ قَرَأَ {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النِّسَاء: 131]، وَلَوْ كَانَتْ (قَضَى) مِنَ الرَّبِّ، لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ رَدَّ قَضَاءِ الرَّبِّ، وَلَكِنَّهُ وَصِيَّةٌ أَوْصَى بِهَا الْعِبَادَ.
وَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ، مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ضِيَاءً} وَيَقُولُ: خُذُوا هَذِهِ الْوَاوَ وَاجْعَلُوهَا هُنَا: {وَالَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الْآيَةَ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْزِعُوا هَذِهِ الْوَاوَ فَاجْعَلُوهَا فِي {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غَافِرٍ: 7].
وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أُشْتَةَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النُّور: 35] قَالَ: هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ، هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُورُهُ مِثْلَ نُورِ الْمِشْكَاةِ؛ إِنَّمَا هِيَ: {مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ كَمِشْكَاةٍ}.
وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ أُشْتَةَ عَنْ هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ أَخْطَئُوا فِي الِاخْتِيَارِ، وَمَا هُوَ الْأَوْلَى لِجَمْعِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، لَا أَنَّ الَّذِي كُتِبَ خَطَأٌ خَارِجٌ عَنِ الْقُرْآنِ.
قَالَ: فَمَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ: حُرِّفَ الْهِجَاءُ، أُلْقِيَ إِلَى الْكَاتِبِ هِجَاءٌ غَيْرُ مَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُلْقَى إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ.
قَالَ: وَكَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (كَتَبَهَا وَهُوَ نَاعِسٌ) يَعْنِي فَلَمْ يَتَدَبَّرِ الْوَجْهَ الَّذِي هُوَ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، وَكَذَا سَائِرُهَا.
وَأَمَّا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فَإِنَّهُ جَنَحَ إِلَى تَضْعِيفِ الرِّوَايَاتِ، وَمُعَارَضَتِهَا بِرِوَايَاتٍ أُخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، بِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَقْعَدُ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالُوا لِزَيْدٍ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَوَهِمْتَ! إِنَّمَا هِيَ: (ثَمَانِيَةُ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ) فَقَالَ:؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الْقِيَامَة: 39] فَهُمَا زَوْجَانِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ: الذَّكَرُ زَوْجٌ، وَالْأُنْثَى زَوْجٌ.
قَالَ ابْنُ أُشْتَةَ: فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ يَتَخَيَّرُونَ أَجْمَعَ الْحُرُوفِ لِلْمَعَانِي وَأَسْلَسَهَا عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَأَقْرَبَهَا فِي الْمَأْخَذِ، وَأَشْهَرَهَا عِنْدَ الْعَرَبِ لِلْكِتَابَةِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَأَنَّ الْأُخْرَى كَانَتْ قِرَاءَةً مَعْرُوفَةً عِنْدَ كُلِّهِمْ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ:
فِيمَا قُرِئَ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْإِعْرَابِ، أَوِ الْبِنَاءِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
قَدْ رَأَيْتُ تَأْلِيفًا لَطِيفًا لِأَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مَالِكٍ الرُّعَيْنِيِّ، سَمَّاهُ تُحْفَةَ الْأَقْرَانِ فِيمَا قُرِئَ بِالتَّثْلِيثِ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الْفَاتِحَة: 2] قُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالْكَسْرِ عَلَى إِتْبَاعِ الدَّالِ اللَّامَ فِي حَرَكَتِهَا.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2] قُرِئَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْعِ بِإِضْمَارِ مُبْتَدَإٍ، وَبِالنَّصْبِ عَلَيْهِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَوْ عَلَى النِّدَاءِ.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 3] قُرِئَ بِالثَّلَاثَةِ.
{اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الْبَقَرَة: 60] قُرِئَ بِسُكُونِ الشِّينِ وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَكَسْرِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ، وَفَتْحِهَا وَهِيَ لُغَةُ بَلِيٍّ.
{بَيْنَ الْمَرْءِ} [الْأَنْفَال: 24] قُرِئَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ، لُغَاتٌ فِيهِ.
{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [الْبَقَرَة: 258] قِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، بِوَزْنِ ضَرَبَ وَعَلِمَ وَحَسُنَ.
{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 34] قُرِئَ بِتَثْلِيثِ الذَّالِ.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النِّسَاء: 1] قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ، وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ضَمِيرٍ بِهِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَالْأَرْحَامُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ تَتَّقُوهُ وَأَنْ تَحْتَاطُوا لِأَنْفُسِكُمْ فِيهِ.
{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النِّسَاء: 95] قُرِئَ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِـ: (الْقَاعِدُونَ) وَبِالْجَرِّ صِفَةً لِـ: (الْمُؤْمِنِينَ) وَبِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ.
{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [الْمَائِدَة: 6]، قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْأَيْدِي، وَبِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ أَوْ غَيْرِهِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ.
{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [الْمَائِدَة: 95] قُرِئَ بِجَرِّ (مِثْلُ) بِإِضَافَةِ (جَزَاءٌ) إِلَيْهِ، وَبِرَفْعِهِ وَتَنْوِينِ (مِثْلُ) صِفَةً لَهُ، وَبِنَصْبِهِ مَفْعُولٌ بـ: (جَزَاءٌ).
{وَاللَّهِ رَبِّنَا} [الْأَنْعَام: 23] قُرِئَ بِجَرِّ رَبِّنَا نَعْتًا أَوْ بَدَلًا، وَبِنَصْبِهِ عَلَى النِّدَاءِ أَوْ بِإِضْمَارِ أَمْدَحُ، وَبِرَفْعِهِ وَرَفْعِ لَفْظِ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.
{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الْأَعْرَاف: 127]. قُرِئَ بِرَفْعِ {يَذَرَكَ} وَنَصْبِهِ وَجَزْمِهِ لِلْخِفَّةِ.
{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يُونُسَ: 71]. قُرِئَ بِنَصْبِ {شُرَكَاءَكُمْ} مَفْعُولًا مَعَهُ، أَوْ مَعْطُوفًا، أَوْ بِتَقْدِيرِ (وَادْعُوا) وَبِرَفْعِهِ عَطْفًا عَلَى ضَمِيرِ {فَأَجْمِعُوا} أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَبِجَرِّهِ عَطْفًا عَلَى (كُمْ) فِي (أَمْرَكُمْ).
{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا} [يُوسُفَ: 105] قُرِئَ بِجَرِّ {وَالْأَرْضِ} عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَبِنَصْبِهَا مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ. وَبِرَفْعِهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَا بَعْدَهَا {مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه: 87] قُرِئَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ.
{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} [الْأَنْبِيَاء: 95] قُرِئَ بِلَفْظِ الْمَاضِي بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا، وَبِلَفْظِ الْوَصْفِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا مَعَ فَتْحِ الْحَاءِ، وَبِسُكُونِهَا مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ (وَحَرَامٌ) بِالْفَتْحِ وَأَلِفٍ، فَهَذِهِ سَبْعُ قِرَاءَاتٍ.
{كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النُّور: 35] قُرِئَ بِتَثْلِيثِ الدَّالِ.
{يس} [يس: 1] الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِسُكُونِ النُّونِ، وَقُرِئَ شَاذًّا بِالْفَتْحِ لِلْخِفَّةِ، وَالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبِالضَّمِّ عَلَى النِّدَاءِ.
{سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [فُصِّلَتْ: 10]، قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَشَاذًّا بِالرَّفْعِ، أَيْ: هُوَ، وَبِالْجَرِّ حَمْلًا عَلَى (الْأَيَّامِ).
{وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] قُرِئَ بِنَصْبِ (حِينَ) وَرَفْعِهِ وَجَرِّهِ.
{وَقِيلِهِ يَا رَبِّ} [الزُّخْرُف: 88]. قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَبِالْجَرِّ، وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ، وَشَاذًّا بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى {عِلْمِ السَّاعَةِ} [الزُّخْرُف: 85].
{ق} [ق: 1] الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالسُّكُونِ، وَقُرِئَ شَاذًّا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ لِمَا مَرَّ أَيْ: لِلْخِفَّةِ وَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
{الْحُبُكِ} [الذَّارِيَات: 7] فِيهِ سَبْعُ قِرَاءَاتٍ: ضَمُّ الْحَاءِ وَالْبَاءِ، وَكَسْرُهُمَا وَفَتْحُهُمَا، وَضَمُّ الْحَاءِ وَسُكُونُ الْبَاءِ، وَضَمُّهَا وَفَتْحُ الْبَاءِ، وَكَسْرُهَا وَسُكُونُ الْبَاءِ، وَكَسْرُهَا وَضَمُّ الْبَاءِ.
{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} [الرَّحْمَن: 12] قُرِئَ بِرَفْعِ الثَّلَاثَةِ وَنَصْبِهَا وَجَرِّهَا.
{وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ} [الْوَاقِعَة: 22- 23] قُرِئَ بِرَفْعِهِمَا وَجَرِّهِمَا، وَنَصْبِهِمَا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أَيْ: وَيُزَوَّجُونَ.
فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى كَثْرَةِ مَنْصُوبَاتِهِ مَفْعُولٌ مَعَهُ.
قُلْتُ: فِي الْقُرْآنِ عِدَّةُ مَوَاضِعَ أُعْرِبَ كُلٌّ مِنْهَا مَفْعُولًا مَعَهُ:
أَحَدُهَا:- وَهُوَ أَشْهَرُهَا- قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يُونُسَ: 71] أَيْ: أَجْمِعُوا أَنْتُمْ مَعَ شُرَكَائِكُمْ أَمْرَكُمْ؛ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التَّحْرِيم: 6] قَالَ: الْكِرْمَانِيُّ فِي غَرَائِبِ التَّفْسِير: هُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ، أَيْ: مَعَ أَهْلِيكُمْ.
الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [الْبَيِّنَة: 1] قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَالْمُشْرِكِينَ} مَفْعُولًا مَعَهُ مِنَ (الَّذِينَ) أَوْ مِنَ الْوَاوِ فِي كَفَرُوا.